كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **


تعقيب على ما نشر في جريدة المسلمون

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً كما هو أهله، وكما ينبغي لكرم وجهه، وعز جلاله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد، فقد نشر لي في المسلمون يوم السبت 82 شعبان 5041هـ جواب حول ترخص المبتعث برخص السفر من القصر والفطر ومسح الخفين ثلاثة أيام، وكان الجواب مختصراً، وقد طلب مني بعض الإخوان أن أبسط القول في ذلك بعض البسط، فأقول وبالله التوفيق ومنه الهداية والصواب‏:‏

المغتربون عن بلادهم لهم ثلاث حالات‏:‏

الحالة الأولى‏:‏ أن ينووا الإقامة المطلقة بالبلاد التي اغتربوا إليها‏:‏ كالعمال المقيمين للعمل، والتجار المقيمين للتجارة ونحوهم، ممن يقيمون إقامة مطلقة، فهؤلاء في حكم المستوطنين في وجوب الصوم عليهم في رمضان، وإتمام الصلاة، والاقتصار على يوم وليلة في مسح الخفين، لأن إقامتهم مطلقة غير مقيدة بزمن ولا غرض، فهم عازمون على الإقامة في البلاد التي اغتربوا إليها، لا يخرجون منها إلا أن يخرجوا‏.‏

الحالة الثانية‏:‏ أن ينووا الإقامة المقيدة بغرض معين، لا يدرون متى ينتهي، ومتى انتهى رجعوا إلى بلادهم‏:‏ كالتجار الذين يقدمون لبيع السلع أو شرائها، ثم يرجعون، وكالقادمين لمراجعة دوائر حكومية أو غيرها لا يدرون متى ينتهي غرضهم حتى يرجعوا إلى بلادهم، فهؤلاء في حكم المسافرين فلهم الفطر، وقصر الصلاة الرباعية، ومسح الخفين ثلاثة أيام ولو بقوا سنوات، هذا قول جمهور العلماء، بل حكاه ابن المنذر إجماعاً، لكن لو ظن هؤلاء أن الغرض لا ينتهي إلا بعد المدة التي ينقطع بها حكم السفر، فهل لهم الفطر والقصر على قولين‏.‏

الحالة الثالثة‏:‏ أن ينووا الإقامة المقيدة بغرض معين يدرون متى ينتهي، ومتى انتهى رجعوا إلى بلادهم بمجرد انتهائه فقد اختلف أهل العلم ـ رحمهم الله ـ في حكم هؤلاء، فالمشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أنهم إن نووا إقامة أكثر من أربعة أيام أتموا، وإن نووا دونها قصروا، قال في المغني ‏(‏ص 882 المجلد الثاني‏)‏‏:‏ وهذا قول مالك والشافعي وأبي ثور، قال‏:‏ وروي هذا القول عن عثمان ـ رضي الله عنه ـ وقال الثوري وأصحاب الرأي‏:‏ إن أقام خمسة عشر يوماً مع اليوم الذي يخرج فيه أتم، وإن نوى دون ذلك قصر‏.‏ انتهى‏.‏ وهناك أقوال أخرى ساقها النووي في شرح المهذب ‏(‏صفحة 022 المجلد الرابع‏)‏ تبلغ عشرة أقوال، وهي أقوال اجتهادية متقابلة، ليس فيها نص يفصل بينها، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، إلى أن هؤلاء في حكم المسافرين لهم الفطر، وقصر الصلاة الرباعية، والمسح على الخفين ثلاثة أيام، انظر مجموع الفتاوى ‏(‏جمع الشيخ ابن قاسم ص 731، 831، 481 مجلد 42‏)‏ والاختيارات ‏(‏ص 37‏)‏ وانظر زاد المعاد لابن القيم ‏(‏ص 92 مجلد 3‏)‏ أثناء كلامه على فقه غزوة تبوك‏.‏ وقال في الفروع لابن مفلح أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ‏(‏ص 46 مجلد 2‏)‏ بعد أن ذكر الخلاف فيما إذا نوى مدة فوق أربعة أيام قال‏:‏ واختار شيخنا وغيره القصر والفطر وأنه مسافر ما لم يجمع على إقامة ويستوطن، كإقامته لقضاء حاجة بلا نية إقامة انتهى‏.‏ واختار هذا القول الشيخ عبدالله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب ـ رحمهما الله ـ انظر ‏(‏ص 273، 573 مجلد 4‏)‏ من الدرر السنية واختاره أيضاً الشيخ محمد رشيد رضا ـ رحمه الله ـ ‏(‏ص 0811 المجلد الثالث‏)‏ من فتاوى المنار، وكذلك اختاره شيخنا عبدالرحمن بن ناصر السعدي ـ رحمه الله ـ ‏(‏ص 74‏)‏ من المختارات الجلية، وهذا القول هو الصواب لمن تأمل نصوص الكتاب والسنة، فعلى هذا يفطرون ويقضون كأهل الحال الثانية، لكن الصوم أفضل إن لم يشق، ولا ينبغي أن يؤخروا القضاء إلى رمضان ثان، لأن ذلك يوجب تراكم الشهور عليهم فيثقل عليهم القضاء، أو يعجزوا عنه، والفرق بين هؤلاء وأهل الحال الأولى أن هؤلاء أقاموا لغرض معين ينتظرون انتهاءه ولم ينووا الإقامة المطلقة، بل لو طلب منهم أن يقيموا بعد انتهاء غرضهم لأبوا ذلك، ولو انتهى غرضهم قبل المدة التي نووها ما بقوا في تلك البلاد، أما أهل الحال الأولى فعلى العكس من هؤلاء، فهم عازمون على الإقامة المطلقة مستقرون في محل الإقامة، لا ينتظرون شيئاً معيناً ينهون إقامتهم بانتهائه، فلا يكادون يخرجون من مغتربهم هذا إلا بقهر النظام، فالفرق ظاهر للمتأمل، والعلم عند الله تعالى، فمن تبين له رجحان هذا القول فعمل به فقد أصاب، ومن لم يتبين له فأخذ بقول الجمهور فقد أصاب، لأن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي من اجتهد فيها فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فيها فأخطأ فله أجر واحد، والخطأ مغفور قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَآ إِن نَّسِينَآ أَوْ أَخْطَأنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَآ إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ‏}‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر‏)‏ أخرجه البخاري‏.‏

نسأل الله تعالى أن يوفقنا إلى الصواب عقيدة وقولاً وفعلاً، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‏.‏ 9041هـ‏.‏

901 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل يدخل في حكم السفر المبيح للفطر البعثات الدراسية أو المهمات التي تزيد عن شهر خاصة وأن الصيام في بلاد الغربة شاق وبه متاعب كثيرة‏؟‏ وما هو السفر الذي لا يجوز فيه قصر الصلاة ولا الفطر في رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المسألة فيها نزاع بين أهل العلم وخلاف كثير، وهو‏:‏ هل المسافر ينقطع حكم السفر بحقه إذا نوى إقامة مقدرة، تزيد على أربعة أيام، أو على خمسة عشر يوماً، أو على تسعة عشر يوماً، أو أن المسافر مسافر مادام لم ينو الاستيطان في البلد‏؟‏ هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وتلميذه ابن القيم ـ رحمه الله ـ أن الإنسان مادام على سفر ولم ينو الإقامة المطلقة وإنما أقام لحاجة، متى انتهت رجع إلى بلده، فهو في حكم المسافر، واختار هذا القول من المشائخ‏:‏ الشيخ عبدالله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، واختاره أيضاً الشيخ محمد رشيد رضا صاحب المنار، واختاره شيخنا عبدالرحمن بن ناصر بن سعدي رحمهم الله جميعاً، لأنه ليس هناك دليل يدل على انقطاع حكم السفر بإقامة إذا كان الإنسان إنما أقام لحاجة، متى انتهت رجع‏.‏ وقد ذكروا آثاراً في هذه المسألة منها‏:‏ أن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وقد حبسه الثلج، وكذلك ذكروا آثاراً عن بعض التابعين الذين يقيمون في الثغور الإسلامية، ولكن مع ذلك أرى أنه لا ينبغي لهم أن يؤخروا صوم رمضان إلى رمضان الثاني، لأنه إذا فعلوا ذلك تراكمت عليهم الشهور، وثقل عليهم القضاء فيما بعد‏.‏

والسفر الذي لا يجوز فيه قصر الصلاة، ولا الفطر هو ما كان دون المسافة عند القائلين بأنه يحدد السفر بمسافة أربعة برد ـ ستة عشر فرسخاً ـ والفرسخ ثلاثة أميال، وتقدر بالكيلوات نحو واحد وثمانين كيلو وثلاثمائة متر أو نحوها‏.‏

وكذلك السفر المحرم الذي يسافر الإنسان فيه لفعل شيء محرم، هذا أيضاً مما اختلف أهل العلم فيه‏:‏ هل يجوز أن يترخص برخص السفر أو لا يجوز‏؟‏ فمنهم من قال‏:‏ بالجواز لعموم الأدلة، ومنهم من قال‏:‏ بأنه لا يترخص، ولا يجوز له أن يترخص برخص السفر، لأنه عاصٍ بهذا السفر، والعاصي لا تناسبه الرخص والتسهيل، مثل أولئك الذين يذهبون إلى بلاد ليتمتعوا فيها بأشياء محرمة من شرب الخمور، والميسر، وفعل الفاحشة، وما أشبه ذلك، فهؤلاء ليس لهم قصر، وليس لهم فطر على أحد القولين لأهل العلم، والعلم عند الله تعالى‏.‏

* * *

011 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ مسافر يريد أن يبقى في البلد التي سافر إليها أسبوعاً فهل يفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يجوز له أن يفطر ولو بقي الشهر كله، لأنه لازال مسافراً‏.‏ والنبي عليه الصلاة والسلام لم يحدد المدة التي ينقطع بها السفر، بل إنه عليه الصلاة والسلام أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة، وأقام في مكة عام الفتح تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة، وقد ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أقام بمكة عام الفتح كان مفطراً، والمعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام دخل مكة عام الفتح في اليوم العشرين من رمضان، فمعنى ذلك أنه أفطر من رمضان عشرة أيام بمكة، والله أعلم‏.‏

* * *

111 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ المبتعث للخارج هل يقصر الصلاة ويفطر في نهار رمضان ولو طالت مدة ابتعاثه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذه المسألة اختلف فيها أهل العلم والجمهور ومنهم الأئمة الأربعة يقولون‏:‏ إنهم في حكم المقيم، يلزمهم الصوم ولا يجوز لهم قصر الصلاة، ولا أن يمسحوا على الخفين ثلاثة أيام بل يوماً وليلة‏.‏

وبعض أهل العلم يقول‏:‏ إنهم في حكم المسافرين‏.‏ وهذا ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ـ رحمهما الله ـ وهو ظاهر النصوص، لأن النصوص مطلقة لم تحدد الإقامة التي ينقطع بها حكم السفر‏.‏

وذكر أن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ أقام في أذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، وهذا الرأي واضح الرجحان، ولكن من كان في نفسه حرج منه ورأى أن يأخذ بقول الجمهور وهو إتمام الصلاة ووجوب الصوم فلا حرج عليه في ذلك‏.‏

211 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن توجيه نصيحة لمن هم في الخارج بشأن صيام رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الذي ننصح به الذين في الخارج أن لا يفوتوا صوم رمضان، وذلك لأن الأفضل للمسافر أن يصوم إلا إذا وجد مشقة فإنه يفطر، والدليل على أن الأفضل أن يصوم‏.‏

أولاً‏:‏ أنه فعل الرسول عليه الصلاة والسلام، قال أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ‏:‏ ‏(‏كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حر شديد حتى إن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبدالله بن رواحة‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

ثانياً‏:‏ ولأنه إذا صام كان أيسر عليه؛ لأن القضاء يكون على الإنسان أصعب غالباً من الأداء في وقته، لأنه إذا صام في رمضان صار موافقاً للناس في صيامهم، فيكون ذلك أسهل عليه، والله عز وجل حينما فرض على عباده الصيام قال‏:‏ ‏{‏يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏‏.‏

ثالثاً‏:‏ ولأنه إذا صام رمضان في السفر كان أسرع في إبراء ذمته، إذ أن الإنسان لا يدري ماذا يعتريه بعد رمضان‏؟‏ فيكون صومه أسرع في إبراء الذمة‏.‏

وهناك فائدة رابعة‏:‏ وهي أنه إذا صام في رمضان فقد صام في الوقت الفاضل وهو رمضان، ولكن مع المشقة لا يصوم وهو مسافر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى زحاماً ورجلاً قد ظلل عليه فقال‏:‏ ما هذا‏؟‏‏)‏ قالوا‏:‏ صائم، قال‏:‏ ‏(‏ليس من البر الصيام في السفر‏)‏ قال ذلك لمن يصوم في السفر وقد شق عليه، ولهذا لما نزل منزلاً ذات يوم سقط الصوام، لأنهم متعبون، وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ذهب المفطرون اليوم بالأجر‏)‏‏.‏ رواه مسلم‏.‏

* * *

311 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة حامل وفي شهرها الثامن وصامت وفي يوم من شهر رمضان كان شديد الحرارة ولم تفطر، وكان الجنين في بطنها يتحرك بشدة وبعد أسبوع خرج ميتاً، فهل على الأم شيء‏؟‏ نرجو من سماحتكم الجواب‏.‏ وتوجيه المرأة الحامل وبيان حكم صيامها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحمد لله رب العالمين، لا شك أن هذه المرأة الحامل التي صامت والصوم يشق عليها أنها أخطأت، وأنها خالفت الرخصة التي رخص الله لها فيها، وإذا تبين أن موت الجنين من هذا الفعل فإنها تكون ضامنة له، ويجب عليها الكفارة أيضاً وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، وليس فيها إطعام، والمراد بالقتل خطأ، لأن القاتل عمداً والعياذ بالله لا كفارة له، فإن الله يقول‏:‏ ‏{‏وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً ‏}‏ هذا جزاؤه ولا تفيده الكفارة شيئاً، لكن الذي يقتل مؤمناً خطأ هذا هو الذي عليه الكفارة، فإذا تيقنا أن هذا الجنين إنما مات بسبب فعلها فإنها تكون حينئذ متعدية فيلزمها ضمانه بالدية لوارثيه، ويلزمها الكفارة، والدية هنا ليست دية الإنسان كاملة، ولكنها غرة كما ذكره أهل العلم، وهي عشر دية أمه‏.‏ ومن المعروف أن دية المرأة نصف دية الرجل فإذا كانت دية الرجل قررت الآن مئة ألف، فإن دية المرأة خمسون ألفاً، ويكون دية الجنين عشر خمسين ألفاً أي خمسة آلاف‏.‏

وأما إذا لم تتيقن أن موت الجنين من هذا الفعل فإنه لا شيء عليها، والأصل براءة ذمتها، فحينئذ يجب أن يبحث هل موت هذا الجنين ناتج من فعلها أو لا‏؟‏

* * *

411 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا شق الصيام على المرأة المرضع فهل يجوز لها الفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم يجوز لها أن تفطر إذا شق الصيام عليها، أو إذا خافت على ولدها من نقص إرضاعه، فإنه في هذه الحال يجوز لها أن تفطر، وتقضي عدد الأيام التي أفطرتها‏.‏

* * *

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من الولد‏.‏‏.‏‏.‏ إلى الوالد المكرم الشيخ محمد بن صالح العثيمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

على الدوام دمتم محروسين ونحن والحمد لله على ما تحبون، وبعد

نهنئكم بهذا الشهر المبارك جعلنا الله من صوامه وقوامه على الوجه الأكمل آمين يارب العالمين، وبعد أمتعني الله في حياتك، المرأة الحامل والمرضع إذا أفطرتا خشية على ولديهما هل تقضيا الصوم فحسب أو تطعما مع الصوم، أفتني أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه‏؟‏

بسم الله الرحمن الرحيم

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

نشكركم على التهنئة بشهر رمضان، ونرجو الله أن يوفقنا جميعاً لما يحب ويرضى، ويتقبل من الجميع‏.‏

وما ذكرت عن الحامل والمرضع تفطران خوفاً على الولد، فالمذهب أن عليهما قضاء الصوم، وعلى من يمون الولد إطعام مسكين عن كل يوم أفطرتاه، وفي نفسي من هذا شيء، وأنا أميل إلى القول بأنه ليس عليهما إلا القضاء، ولا إطعام على من يمون الولد، لعدم وجود الدليل الذي يقوى على إشغال الذمة به‏.‏

هذا ما لزم، والله يحفظكم والسلام عليكم وعلى من تحبون ورحمة الله وبركاته‏.‏

كتبه محمد الصالح العثيمين في 7/9/7931هـ

511 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أفطرت المرضع خوفاً على ولدها فماذا يلزمها‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا شيء على المرضع إذا أفطرت خوفاً على ولدها من نقص اللبن وتقضي بعد ذلك، وإذا كان إفطارها من أجل الخوف على الولد وحده فإن بعض أهل العلم يلزم من يقوم بنفقة الولد أن يطعم عن كل يوم مسكيناً، فيجعل على الأم قضاء الصوم، ويجعل الإطعام على من يمون الولد من أبيه، أو أخيه، أو غيرهما، وإذا قدر أن هذا الأمر استمر معها فإنه لا يضر؛ لأنها معذورة، لكن في ظني أن ذلك لا يستمر، لأنه في أيام الشتاء يكون النهار قصيراً والوقت بارداً، فلا ينقص لبنها إذا صامت، وحينئذ تقضي ما فاتها في أيام الشتاء‏.‏

* * *

611 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أفطرت الحامل أو المرضع بدون عذر فهي قوية ونشيطة ولا تتأثر بالصيام فما حكم ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ لا يحل للحامل أو المرضع أن تفطرا في نهار رمضان إلا للعذر، فإذا أفطرتا للعذر وجب عليهما قضاء الصوم، لقول الله تعالى في المريض‏:‏ ‏{‏وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وهما بمعنى المريض وإذا كان عذرهما الخوف على الولد فعليهما مع القضاء عند بعض أهل العلم إطعام مسكين لكل يوم من البر، أو الرز، أو التمر، أو غيرها من قوت الآدميين، وقال بعض العلماء‏:‏ ليس عليهما سوى القضاء على كل حال؛ لأنه ليس في إيجاب الإطعام دليل من الكتاب والسنة، والأصل براءة الذمة حتى يقوم الدليل على شغلها، وهذا مذهب أبي حنيفة ـ رحمه الله ـ وهو قوي‏.‏

* * *

711 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن الحامل إذا خافت على نفسها أو خافت على ولدها وأفطرت فما الحكم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ جوابنا على هذا أن نقول‏:‏ الحامل لا تخلو من حالين‏:‏

إحداهما‏:‏ أن تكون نشيطة قوية لا يلحقها مشقة ولا تأثير على جنينها، فهذه المرأة يجب عليها أن تصوم؛ لأنها لا عذر لها في ترك الصيام‏.‏

والحال الثانية‏:‏ أن تكون الحامل غير متحملة لصيام‏:‏ إما لثقل الحمل عليها، أو لضعفها في جسمها، أو لغير ذلك، وفي هذه الحال تفطر، لاسيما إذا كان الضرر على جنينها، فإنه قد يجب الفطر عليها حينئذ‏.‏ وإذا أفطرت فإنها كغيرها ممن يفطر لعذر يجب عليها قضاء الصوم متى زال ذلك العذر عنها، فإذا وضعت وجب عليها قضاء الصوم بعد أن تطهر من النفاس، ولكن أحياناً يزول عذر الحمل ويلحقه عذر آخر وهو عذر الإرضاع، وأن المرضع قد تحتاج إلى الأكل والشرب لاسيما في أيام الصيف الطويلة النهار، الشديدة الحر، فإنها قد تحتاج إلى أن تفطر لتتمكن من تغذية ولدها بلبنها، وفي هذه الحال نقول لها أيضاً‏:‏ افطري فإذا زال عنك العذر فإنك تقضين ما فاتك من الصوم‏.‏

وقد ذكر بعض أهل العلم أنه إذا أفطرت الحامل والمرضع من أجل الخوف على الولد فقط دون الأم، فإنه يجب عليهما مع القضاء إطعام مسكين لكل يوم، يدفعه من تلزمه نفقة ذلك الطفل، وفي معنى ذلك ـ أي في معنى الحامل والمرضع التي تفطر خوفاً على الولد ـ في معنى ذلك من أفطر لإنقاذ غريق أو حريق ممن يجب إنقاذه فإنه يفطر ويقضي، مثلاً‏:‏ رأيت النار تلتهم بيتاً وفيه أناس مسلمون، ولا يمكن أن تقوم بالواجب، بواجب الإنقاذ إلا إذا أفطرت وشربت لتتقوى على إنقاذ هؤلاء، فإنه يجوز لك بل يجب عليك في هذه الحال أن تفطر لإنقاذهم، ومثله هؤلاء الذين يشتغلون بالإطفاء، فإنهم إذا حصل حريق في النهار وذهبوا لإنقاذه، ولم يتمكنوا منه إلا بأن يفطروا ويتناولوا ما تقوى به أبدانهم، فإنهم يفطرون ويتناولون ما تقوى به أبدانهم؛ لأن هذا شبيه تماماً بالحامل التي تخاف على جنينها والمرضع التي تخاف على ولدها، والله تبارك وتعالى حكيم لا يفرق بين شيئين متماثلين في المعنى، بل يكون حكمهما واحد، وهذه من كمال الشريعة الإسلامية وهو عدم التفريق بين المتماثلين، وعدم الجمع بين المختلفين، والله عليم حكيم‏.‏

* * *

811 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أفطرت المرأة خوفاً على الجنين فماذا عليها‏؟‏ وما وجه التفريق بين خوفها على نفسها وخوفها على الجنين عند الإمام أحمد‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ المشهور من مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ أن المرأة الحامل إذا أفطرت خوفاً على الولد فقط لزمها القضاء؛ لأنها لم تصم، ولزم من يعول الولد أن يطعم عنها لكل يوم مسكيناً، لأن هذه المرأة أفطرت لمصلحة الولد‏.‏

وقال بعض أهل العلم‏:‏ الواجب على الحامل القضاء فقط، سواء أفطرت خوفاً على نفسها، أو خوفاً على الولد، أو خوفاً عليهما إلحاقاً لها بالمريض، ولا يجب عليها أكثر من ذلك‏.‏

* * *

911 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ امرأة نفست في شهر شعبان، وطهرت في عشر رمضان، هل لها أن تشرع في الصيام مع قدرتها على ذلك‏؟‏ مع أن بعض الأطباء ذكر أن الطفل يصبر ست ساعات على الرضاعة وهي قادرة على الصيام‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا كانت ترضع ولا ينقص لبنها، فيجب عليها أن تصوم، متى طهرت من النفاس، مادام ليس على الولد ضرر، لكن إذا طهرت في أثناء اليوم لم يلزمها الإمساك بقية اليوم، تظل مفطرة، حتى الحائض لو طهرت مثلاً في نصف النهار تبقى مفطرة تأكل وتشرب ذلك اليوم‏.‏ هذا هو القول الراجح‏.‏

* * *

021 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ المرأة إذا كانت من النفساء في شهر رمضان أو من الحوامل أو من المرضعات هل عليها القضاء أو الإطعام، لأنه قيل لنا بعدم قضائهن وعليهن الإطعام فقط، نرجو الإجابة على هذا السؤال مدعماً بالدليل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‏.‏

أوجب الله سبحانه وتعالى على عباده صيام رمضان، وجعل صيامه أحد أركان الإسلام، وأوجب على من كان له عذر أن يقضيه حين زوال عذره، فقال عز وجل‏:‏ ‏{‏شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ‏}‏ وقد بين الله تعالى أن على من أفطره بعذر أن يقضيه من الأيام الأخر، والمرأة الحامل والمرأة المرضع والمرأة النفساء والمرأة الحائض كلهن يتركن الصوم بعذر، وإن كنّ كذلك فإنهن يجب عليهن القضاء قياساً على المريض والمسافر، ونصًّا في الحائض، ففي الصحيحين عن عائشة ـ رضي الله تعالى ـ عنها أنها سُئلت‏:‏ ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة‏؟‏ فقالت‏:‏ ‏(‏كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة‏)‏، هذا هو الدليل‏.‏

وأما ما ورد عن بعض السلف من أنها تطعم ولا تصوم، فيحمل على أن هذه لا تستطيع الصيام أبداً، والذي لا يستطيع الصيام أبداً كالكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه عليه الإطعام، كما جاء ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ‏}‏، ولأن الله تعالى جعل الإطعام عديلاً للصوم أول ما فُرض الصوم، حين كان الناس يخيرون بين الإطعام والصيام، ثم بعد ذلك تعين الصيام‏.‏

* * *

بسم الله الرحمن الرحيم

1 ـ مذهب الحنابلة‏:‏ أن المغمى عليه يقضيهما، سواء طالت المدة أم قصرت، قال في الإنصاف‏:‏ ‏(‏01/3 المطبوع مع الشرح في كتاب الصلاة‏)‏‏:‏ وأما المغمى عليه فالصحيح من المذهب وجوبها عليه نص عليه، وعليه جماهير الأصحاب وهو من المفردات، وقيل‏:‏ لا تجب عليه كالمجنون واختاره في الفائق‏.‏ وفي الإنصاف ‏(‏في كتاب الصيام 883/7‏)‏‏:‏ الصحيح من المذهب لزوم القضاء على المغمى عليه، وعليه أكثر الأصحاب‏.‏ وقيل‏:‏ لا يلزمه قال في الفائق‏:‏ وهو المختار‏.‏ اهـ فصار المذهب وجوب قضاء الصلاة والصيام‏.‏

2 ـ مذهب الشافعية‏:‏ أن المغمى عليه يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة، قال النووي في المجموع ‏(‏في الصلاة‏:‏ 8/3‏)‏‏:‏ من زال عقله بسبب غير محرم‏:‏ كمن جن، أو أغمي عليه، أو زال عقله بمرض، أو بشرب دواء لحاجة، أو أكره على شرب مسكر فزال عقله فلا صلاة عليه، وإذا أفاق فلا قضاء عليه بلا خلاف‏.‏ للحديث، سواء قل زمن الجنون والإغماء أو كثر، هذا مذهبنا ‏(‏قلت‏:‏ وعلى هذا فقوله‏:‏ بلا خلاف‏.‏ يعني في المذهب عندهم وهو يطلق هذه العبارة بهذا المعنى في مواطن كثيرة‏)‏ وقال ‏(‏في الصيام 872/6‏)‏‏:‏ ويجب القضاء على المغمى عليه، سواء استغرق جميع رمضان أو بعضه، ثم ذكر الفرق بين الصوم والصلاة‏:‏ أن الصلاة تتكرر فيشق قضاؤها بخلاف الصوم، قال‏:‏ وهذا هو الفرق بين قضاء الحائض الصوم دون الصلاة، ونقل عن ابن سريج وصاحب الحاوي أنه لا قضاء عليه‏.‏

3 ـ مذهب المالكية‏:‏ أن المغمى عليه يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة، قال ابن عبدالبر ‏(‏في الكافي 732/1‏)‏‏:‏ ولا يقضي المغمى عليه شيئاً من الصلوات لأنه فاقد العقل ومن ذهب عقله فليس بمخاطب‏.‏ وقال ‏(‏في كتاب الصيام 33 / 1 ‏)‏ ‏:‏ عن مالك رحمه الله قوله‏:‏ من أغمي عليه في شهر رمضان، أو جن فيه ثم أفاق قضى الصوم، ولم يقض الصلاة إلى أن قال‏:‏ كالحائض سواء‏.‏

4 ـ مذهب الحنفية‏:‏ أن المغمى عليه لا يقضى الصلاة إن زاد الإغماء على يوم وليلة، ويقضي إن كان يوماً وليلة أو أقل، كما في ملتقى الأبحر ‏(‏1/821‏)‏‏.‏ وأما الصوم فيقضيه كما في الكتاب المذكور 1/702‏.‏

فصارت الخلاصة أن المغمى عليه يقضي الصوم على المذاهب الأربعة إلا قولاً في مذهب الحنابلة والشافعية‏.‏

وأما الصلاة فلا يقضيها على مذهب الثلاثة‏.‏ وعلى مذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله ـ يقضيها إلا على قول في المذهب اختاره في الفائق‏.‏ حرر في 7/9/9141هـ‏.‏

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

من محبكم محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم الفاضل‏.‏‏.‏‏.‏ حفظه الله وتولاه في الدنيا والآخرة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته‏.‏

أرجو الله تعالى أن تكونوا ومن تحبون بخير، نحن ولله الحمد بخير وعافية‏.‏

سؤالكم عن رجل له مدة شهرين لم يشعر بشيء ولم يصلِّ ولم يصم رمضان فماذا يجب عليه‏؟‏

فالجواب‏:‏ لا يجب عليه شيء لفقد شعوره، ولكن إن قدر الله أن يفيق لزمه قضاء رمضان، وإن قضى الله عليه بالموت فلا شيء عليه، إلا أن يكون من ذوي الأعذار المستمرة كالكبير ونحوه، ففرضه أن يطعم وليه عنه عن كل يوم مسكيناً‏.‏

أما الصلاة فللعلماء في قضائها قولان‏:‏

أحدهما وهو قول الجمهور‏:‏ لا قضاء عليه لأن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أغمي عليه يوماً وليلة فلم يقض ما فاته‏.‏

والقول الثاني‏:‏ عليه القضاء وهو المذهب عند المتأخرين من الحنابلة، قال في الإنصاف وهو من مفردات المذهب، وهو مروي عن عمار بن ياسر ـ رضي الله عنه ـ أنه أغمي عليه ثلاثاً وقضى ما فاته‏(‏1‏)‏، وعلى هذا فالقضاء أحوط؛ لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته‏.‏ 42/2/4931هـ‏.‏

121 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عمن يقضي نهار رمضان نائماً أو مسترخياً، ويقول‏:‏ لا أستطيع العمل لشدة شعوري بالجوع والعطش، فهل يؤثر ذلك في صحة صيامه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الشعور بالتعب لا يؤثر على صحة الصيام، وفيه زيادة أجر لقول الرسول صلى الله عليه وسلم لعائشة‏:‏ ‏(‏أجرك على قدر نصبك‏)‏ فكلما زاد تعب الإنسان في العبادة بدون قصد منه زاد أجره، وله أن يفعل ما يخفف العبادة عليه‏:‏ كالتبرد بالماء والجلوس في المكان البارد‏.‏

* * *

221 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ النوم طوال ساعات النهار ما حكمه‏؟‏ وما حكم صيام من ينام وإذا كان يستيقظ لأداء الفرض، ثم ينام فما حكم ذلك‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا السؤال يتضمن حالين‏:‏

الحال الأولى‏:‏ رجل ينام طوال النهار ولا يستيقظ ولا شك أن هذا جانٍ على نفسه، وعاصٍ لله عز وجل بتركه الصلاة في أوقاتها، وإذا كان من أهل الجماعة فقد أضاف إلى ذلك ترك الجماعة أيضاً، وهو حرام عليه، ومنقص لصومه‏.‏ وما مثله إلا مثل من يبني قصراً ويهدم مصراً، فعليه أن يتوب إلى الله عز وجل، وأن يقوم ويؤدي الصلاة في أوقاتها حسبما أمر به‏.‏

أما الحال الثانية‏:‏ وهي حال من يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم، لكنه فوَّت على نفسه خيراً كثيراً، لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القرآن الكريم حتى يجمع في صيامه عبادات شتى، والإنسان إذا عوَّد نفسه ومرنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك، وإذا عوَّد نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك وصعبت عليه العبادات والأعمال في حال الصيام، فنصيحتي لهذا ألا يستوعب وقت صيامه في نومه، فليحرص على العبادة، وقد يسر الله والحمد لله في وقتنا هذا للصائم ما يزيل عنه مشقة الصيام من المكيفات وغيرها مما يهون عليه الصيام‏.‏

* * *

321 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ موظف نام أكثر من مرة في الشركة أثناء العمل وترك العمل هل يفسد صومه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صومه لا يفسد؛ لأنه لا علاقة له بين ترك العمل وبين الصوم، ولكن يجب على الإنسان الذي تولى عملاً أن يقوم بالعمل الذي وكل إليه، لأنه يأخذ على هذا العمل جزاء وراتباً، ويجب أن يكون عمله على الوجه الذي تبرأ به ذمته، كما أنه يطلب راتبه كاملاً‏.‏

ولكن صومه ينقص أجره لفعله هذا المحرم وهو نومه عن العمل المنوط به‏.‏

* * *

421 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ ما القول في قوم ينامون طوال نهار رمضان، وبعضهم يصلي مع الجماعة، وبعضهم لا يصلي، فهل صيام هؤلاء صحيح‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صيام هؤلاء مجزىء تبرأ به الذمة، ولكنه ناقص جداً، ومخالف لمقصود الشارع في الصيام، لأن الله سبحانه وتعالى قال‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ‏}‏‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه‏)‏‏.‏

ومن المعلوم أن إضاعة الصلاة وعدم المبالاة بها ليس من تقوى الله عز وجل، ولا من ترك العمل بالزور، وهو مخالف لمراد الله ورسوله في فرضية الصوم، ومن العجب أن هؤلاء ينامون طول النهار، ويسهرون طول الليل، وربما يسهرون الليل على لغو لا فائدة لهم منه، أو على أمر محرم، يكسبون به إثماً، ونصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يستعينوه على أداء الصوم على الوجه الذي يرضاه، وأن يستغلوه بالذكر وقراءة القرآن، والصلاة والإحسان إلى الخلق وغير ذلك مما تقتضيه الشريعة الإسلامية‏.‏

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة‏.‏

* * *

521 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ نمت طوال اليوم ولم أستيقظ إلا عند صلاة العشاء ما حكم صيام هذا اليوم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صيامك هذا اليوم صحيح، ولكن نومك عن الصلوات هو المحرم، لأنه لا يجوز للإنسان أن يتهاون بالصلاة إلى حد ينام عنها ولا يبالي بها، والواجب على الإنسان إذا نام ولم يكن عنده من يوقظه للصلاة أن يجعل عنده منبهاً ينبهه‏:‏ كالساعة إذا أذن؛ ليقوم ويصلي ويرجع لينام إذا شاء، وإنني بهذه المناسبة أنصح إخواني المسلمين مما يفعله بعض الناس، يسهر الليل كله بدون فائدة، وينام النهار كله، وهذا ليس شأن السلف في صيام شهر رمضان، بل كانوا ـ رحمهم الله ـ يحرصون على أن يستغلوا هذه الفرصة الثمينة بالتقرب إلى الله بأنواع الطاعات من الصلاة والذكر والصدقة والإحسان إلى الخلق‏.‏

أما الذي لا يهمه في نهار إلا أن يقطع وقته بما لا فائدة فيه فإن هذا ليس من شأن السلف الصالح‏.‏

* * *

621 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عملي يتطلب مني الحضور الساعة التاسعة ليلاً وحتى السحور بدون نوم هل يجوز لي أن أنام طوال اليوم في رمضان‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا السؤال سبق نظيره، وذكرنا أن النوم للصائم كل النهار لا يفسد صومه، ولكن المحظور هو أن هذا النائم إذا لم يكن يصلي فهو آثم من أجل تهاونه بالصلاة، وقد ذكرنا أنه يجب على الإنسان الذي ليس لديه أحد يوقظه أن يجعل عنده منبهاً ينبهه عند الأذان؛ ليقوم ويؤدي الصلاة التي أوجبها الله عليه‏.‏

* * *

721 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ كثير من الناس في رمضان أصبح همهم الوحيد هو جلب الطعام والنوم، فأصبح رمضان شهر كسل وخمول، كما أن بعضهم يلعب في الليل وينام في النهار، فما توجيهكم لهؤلاء‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ أرى أن هذا في الحقيقة يتضمن إضاعة الوقت، وإضاعة المال إذا كان الناس ليس لهم هم إلا تنويع الطعام والنوم في النهار والسهر على أمور لا تنفعهم في الليل، فإن هذا لا شك إضاعة فرصة ثمينة ربما لا تعود إلى الإنسان في حياته، فالرجل الحازم هو الذي يتمشى في رمضان على ما ينبغي من النوم في أول الليل، والقيام في التراويح، والقيام آخر الليل إذا تيسر، وكذلك لا يسرف في المآكل والمشارب، وينبغي لمن عندهم القدرة أن يحرص على تفطير الصوام‏:‏ إما في المساجد، أو في أماكن أخرى، لأن من فطر صائماً له مثل أجره، فإذا فطر الإنسان إخوانه الصائمين فإن له مثل أجورهم، فينبغي أن ينتهز الفرصة من أغناه الله تعالى حتى ينال أجراً كثيراً‏.‏

* * *

821 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عمن يفيق يوماً ويجن يوماً كيف يصوم‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحكم يدور مع علته، ففي الأوقات التي يكون فيها صاحياً عاقلاً يجب عليه الصوم، وفي الأوقات التي يكون فيها مجنوناً لا صوم عليه، فلو فرض أنه يجن يوماً ويفيق يوماً، أو يهذري يوماً ويصحو يوماً ففي اليوم الي يصحو فيه يلزمه الصوم، وفي اليوم الذي لا يصحو فيه لا يلزمه الصوم‏.‏

* * *

921 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عما إذا جن الإنسان وهو صائم هل يبطل صومه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا جن في أثناء النهار بطل صومه؛ لأنه صار من غير أهل العبادة، وكذلك إذا هذرى في أثناء اليوم فإنه لا يلزمه إمساكه، ولكنه يلزمه القضاء، وكذلك الذي جن في أثناء النهار يلزمه القضاء، لأنه في أول النهار كان من أهل الوجوب‏.‏

* * *

031 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل نام وبعد نومه أعلن عن ثبوت رؤية هلال رمضان، ولم يكن قد بيّت نية الصوم وأصبح مفطراً لعدم علمه بثبوت الرؤية، فما هو الواجب عليه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا الرجل نام أول ليلة من رمضان قبل أن يثبت الشهر، ولم يبيت نية الصوم، ثم استيقظ وعلم بعد أن طلع الفجر أن اليوم من رمضان فإنه إذا علم يجب عليه الإمساك، ويجب عليه القضاء عند جمهور أهل العلم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ‏:‏ إن النية تتبع العلم، وهذا لم يعلم فهو معذور في ترك تبييت النية، وعلى هذا فإذا أمسك من حين علمه فصومه صحيح ولا قضاء عليه، وأما جمهور العلماء فقالوا‏:‏ إنه يجب عليه الإمساك، ويجب عليه القضاء، وعللوا ذلك بأنه فاته جزء من اليوم بلا نية، ولا شك أن الاحتياط في حقه أن يقضي هذا اليوم‏.‏

* * *

131 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل نية الصيام كافية عن نية صوم كل يوم على حدة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ من المعلوم أن كل شخص يقوم في آخر الليل ويتسحر فإنه قد أراد الصوم ولا شك في هذا، لأن كل عاقل يفعل الشيء باختياره، لا يمكن أن يفعله إلا بإرادة‏.‏ والإرادة هي النية، فالإنسان لا يأكل في آخر الليل إلا من أجل الصوم، ولو كان مراده مجرد الأكل لم يكن من عادته أن يأكل في هذا الوقت‏.‏ فهذه هي النية ولكن يحتاج إلى مثل هذا السؤال فيما لو قدر أن شخصاً نام قبل غروب الشمس في رمضان وبقي نائماً لم يوقظه أحد حتى طلع الفجر من اليوم التالي فإنه لم ينو مِن الليل لصوم اليوم التالي فهل نقول‏:‏ إن صومه اليوم التالي صوم صحيح بناء على النية السابقة‏؟‏ أو نقول‏:‏ إن صومه غير صحيح، لأنه لم ينوه من ليلته‏؟‏

نقول‏:‏ إن صومه صحيح، لأن القول الراجح أن نية صيام رمضان في أوله كافية لا يحتاج إلى تجديد النية لكل يوم، اللهم إلا أن يوجد سبب يبيح الفطر، فيفطر في أثناء الشهر، فحينئذ لابد من نية جديدة للصوم‏.‏

* * *

231 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا دخل شهر رمضان هل تكون النية في أول الشهر أم في كل ليلة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الحقيقة أنه عندما يتكلم بعض الناس عن النية وما أدراك ما النية، أنا لا أدري ما هو معنى النية عنده‏؟‏ النية إذا قام الإنسان في آخر الليل وأكل وشرب أليس هذا نية‏؟‏ النية ليست شيئاً يعمل ويحتسب له، بمجرد ما يفعل الإنسان الفعل فقد نواه، اللهم إلا رجلاً مجنوناً لا يدري ما يفعل، أو إنساناً مغمى عليه أو نائماً، أما إنسان عاقل باختياره يفعل الفعل، فإن مجرد فعله لذلك نية فلا حاجة إلى شيء يعمل، حتى إن بعض العلماء يقول‏:‏ لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان تكليفاً بما لا يطاق، وصدق لو قيل لك‏:‏ توضأ ولا تنوي، وصل ولا تنوي، وصم ولا تنوي، وكل ولا تنوي ما تستطيع، فالنية ما هي شيء شديد، بمجرد ما يقوم الإنسان ويأكل ويشرب فقد نوى‏.‏

* * *

331 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ صام رجل ووقت الإفطار نام ولا قام إلا بعد أذان الصبح هل يصوم أو يفطر وما هو الأفضل‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ هذا الرجل إذا كان في رمضان وذلك أنه صائم فنام بعد العصر وبقي في نومه حتى طلع الفجر من اليوم الثاني وبقي على صيامه فهل صيامه صحيح‏؟‏ نقول‏:‏ نعم، صيامه صحيح، ولا شيء عليه، هل يستمر في صومه إذا وقعت مثل هذه الحال، ليستمر الصائم في صومه ولا شيء عليه، لأن هذا الصائم قد عزم بقلبه عزماً أكيداً على أنه صائم من الغد، فما دامت هذه نيته فإن صومه صحيح‏.‏

* * *

431 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل يقول‏:‏ إنني في الليلة التي نتحرى فيها دخول شهر رمضان نمت تلك الليلة ولم أعلم أنه قد دخل شهر رمضان، وبعد خروجي في الصباح تبلغت أن ذلك اليوم صيام، فأمسكت بعد صلاة الفجر قريب طلوع الشمس، فهل صيامي ذلك اليوم صحيح، وهو ليس بنية سابقة قبل الفجر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صيامك صحيح؛ لأن النية تتبع العلم، وأنت لم تعلم بأن هذا اليوم من رمضان وأنت نائم، ونيتك كنية كل مسلم، نيتك أنه إن كان غداً من رمضان فأنت صائم، فمادامت هذه نيتك فقد نمت على نية صحيحة، وإن كانت معلقة لكن تعليق الأحكام وتعليق النيات وتعليق الدعاء وما أشبه ذلك أمر ثابت شرعاً، تعليق الأحكام الشرعية بالشروط ثابت، وتعليق الدعاء بالشروط ثابت، وتعليق النيات أيضاً مثل ذلك تعليق الأحكام الشرعية‏.‏ جاءت ضباعة بنت الزبير ـ رضي الله عنها ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله، إني أريد الحج وأجدني شاكية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏حجي واشترطي‏:‏ إن محلي حيث حبستني‏.‏ فإن لك على ربك ما استثنيتي‏)‏ هذا اشتراط في الحكم، الاشتراط في الدعاء قال الله تعالى في آية المتلاعنين‏:‏ ‏{‏فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّـدِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ‏}‏ هذا دعاء معلق بشرط، وكذلك تقول هي‏:‏ ‏{‏وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَآ إِن كَانَ مِنَ الصادِقِينَ ‏}‏ فالدعاء يصح أن يعلق بالشرط، والأحكام الشرعية يصح أن تعلق بالشرط إلا إذا ورد النص بخلافها‏.‏ هذا المسلم الذي نام قبل أن يعلم بأن غداً من رمضان نائم وهو معتقد في نفسه وجازم على إنه إن كان من رمضان فهو صائم، فإذا لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر وتبين له أن هذا اليوم من رمضان فهو على صيامه، وصيامه صحيح‏.‏

وبهذه المناسبة قال لي شخص من الناس هنا‏:‏ إنه سمع رجلاً يصلي على جنازة ويقول في دعائه‏:‏ اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا‏.‏‏.‏‏.‏إلخ‏.‏

اللهم اغفر لأموات المسلمين، ولا دعا للميت‏.‏ فلما سلم قلت لمَ لم تدعُ للميت‏؟‏ قال‏:‏ ما أدري عنه، ما أدري هل هو مسلم أو كافر، أنا أقول‏:‏ اللهم اغفر لأموات المسلمين، فإن كان مسلماً فهو منهم‏.‏ وهذا خطأ، الذين يقدمون للناس وهم في بلاد الإسلام، الأصل أنهم مسلمون لكن لو كان شخص معين تشك في إسلامه، مثل إنسان قدم وأنت تشك هل هو يصلي أو لا، لأن الذي لا يصلي كافر، لا يجوز أن يُصلى عليه، ولا يجوز أن يدفن مع المسلمين الذي لا يصلي إذا مات يخرج به خارج البلد ويرمى في حفرة، لئلا يتأذى الناس برائحته، لأنه والعياذ بالله يحشر كافر مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف لكن أقول‏:‏ إذا قدم لك إنسان ما تدري‏:‏ هل هو كافر، وتشك فيه بعينه، فلك أن تستثني في الدعاء، تقول مثلاً‏:‏ اللهم إن كان مؤمناً فاغفر له وارحمه‏.‏ والله جل وعلا يعلم ذلك، وبهذا تبرأ ذمتك، فإن كان هذا الذي يصلى عليه مؤمناً فالله تعالى يستجيب الدعاء، وإن كان غير مؤمن فقد برئت ويدل على هذا أولاً‏:‏ ما ذكرناه من الآية الكريمة، ‏{‏وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ‏}‏ هذا في الدعاء، وذكر ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين ـ وهذا الكتاب كتاب جيد عظيم جداً أنصح لكل طالب فقه أن يقرأ فيه ـ قال راوياً عن شيخه، وهو شيخ الإسلام ابن تيمية أحمد بن عبدالحليم بن عبدالسلام وشهرته تغني بالتعريف به رحمه الله، قال عن شيخه إن شيخ الإسلام ابن تيمية أشكل عليه بعض المسائل في العلم، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، ومن رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام على الوصف الذي هو عليه عليه الصلاة والسلام فقد رآه حقًّا؛ لأن الشيطان لا يتمثل به‏.‏ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فسأله عن هذه المسائل أو بعضها التي أشكل عليه، ومنها قال له شيخ الإسلام‏:‏ إنهم قدموا إلينا جنائز، لا ندري هل هم مسلمون أم لا‏؟‏ فقال له‏:‏ عليك بالشرط يا أحمد‏.‏ عليك بالشرط يعني قل‏:‏ اللهم إن كان مؤمناً، فإذاً تكون هذه الرؤيا مؤيدة بالدليل وهو ما أشرنا إليه قبل قليل، واعلم حتى لا يغتر أحد بالرؤيا، اعلم أن رؤيا النبي عليه الصلاة والسلام إن كانت على الوصف المعروف من وقته فهي حق، وأما أن يتراءى لك شخص في المنام، ويخيل إليك أو يقع في ذهنك أنه الرسول بدون أن يكون على الأوصاف المعروفة، فهذا ليس الرسول عليه الصلاة والسلام، وإن وقع في ذهنك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم معروف بأوصافه، وعلى هذا نقول‏:‏ إن الرؤيا إن كانت تخالف الشريعة فهي باطلة، وإن كانت توافق الشريعة، والشريعة تشهد لها، فهي حق، والعمدة على ما جاء في الشرع، وإن كانت لا هذا ولا هذا، وليس فيها تشريع للناس، وإنما هي تنبيه في أمور عادية، فهذه يؤخذ بها، لأن الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة‏.‏

* * *

531 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ إذا أصبح الإنسان وعليه جنابة ونوى الصوم وهو بتلك الحال فهل يصح صومه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا أصبح الإنسان وعليه الجنابة وأراد الصوم فإنه لا بأس أن يصوم ولا حرج عليه، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يصبح جنباً من جماع أهله فيصوم، ولقد كان لنا في رسول الله أسوة حسنة، ولكن يجب على الإنسان أن يغتسل، لأجل أن يصلي الفجر، لأنه لا يجوز تأخير صلاة الفجر عن وقتها‏.‏

* * *

631 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل كل يوم يصام في رمضان يحتاج إلى نية أم تكفي نية صيام الشهر كله‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ يكفي في رمضان نية واحدة من أوله، لأن الصائم وإن لم ينو كل يوم بيومه في ليلته فقد كان ذلك في نيته من أول الشهر، ولكن لو قطع الصوم في أثناء الشهر لسفر أو مرض أو نحوه وجب عليه استئناف النية، لأنه قطعها بترك الصيام للسفر والمرض ونحوهما‏.‏

* * *

731 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ سمعنا الليلة المدفع أكثر من مرة شككنا هل هو العيد أم رمضان وانتظرنا نسمع شيئاً من الإمام قبل الفجر، فلم نسمع شيئاً، فما حكم تردد النية في الصوم أو الفطر‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ الواجب أن الإنسان يتثبت، والأصل بقاء ما كان على ما كان، لو كان هناك شيء لكان ظاهراً، بحيث يتبين للناس حتى لا يتسحروا ولا يصوموا، وعلى كل حال اليوم هذا يعتبر من رمضان، ولو كان خروج الشهر ثابتاً لكان الأمر بيناً، وعلى هذا فالواجب على الإنسان في مثل هذه الحال أن يصوم بلا تردد، لأن الأصل بقاء رمضان، فإذا تبين بعد ذلك أنه يوم العيد أفطر‏.‏

* * *

831 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل مسافر وصائم في رمضان نوى الفطر، ثم لم يجد ما يفطر به ثم عدل عن نيته، وأكمل الصوم إلى المغرب، فما صحة صومه‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صومه غير صحيح، يجب عليه القضاء، لأنه لما نوى الفطر أفطر‏.‏ أما لو قال‏:‏ إن وجدت ماءً شربت وإلا فأنا على صومي‏.‏ ولم يجد الماء، فهذا صومه صحيح، لأنه لم يقطع النية، ولكنه علق الفطر على وجود الشيء، ولم يوجد الشيء فيبقى على نيته الأولى‏.‏

* * *

931 ـ سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ عن حكم صيام النفل إذا نواه الإنسان في أثناء النهار‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ صيام النفل جائز إذا نواه في أثناء النهار بشرط أن لا يكون أكل أو شرب بعد الفجر، وأن لا يكون قد قيد بصوم يوم، مثل صيام الست من شوال، أو ثلاثة أيام من كل شهر، فإنه لابد أن ينوي الصوم من قبل الفجر، حتى يحصل له كمال اليوم‏.‏

* * *

041 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ هل صيام الست من شوال ويوم عرفة يكون لها حكم صيام الفرض فيشترط فيها تبييت النية من الليل‏؟‏ أم يكون لها حكم صيام النفل، بحيث يجوز للإنسان أن ينوي صيامها ولو وسط النهار‏؟‏ وهل يكون أجر الصيام وسط النهار كأجر من تسحر وصام النهار إلى آخره‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ نعم صيام النفل يجوز بنية من أثناء النهار، بشرط ألا يكون فعل مفطراً قبل ذلك، فمثلاً لو أن الإنسان أكل بعد طلوع الفجر، وفي أثناء اليوم نوى الصوم نقول هنا‏:‏ لا يمكن أن يصح صومه، لأنه أكل، لكن لو كان لم يأكل منذ طلع الفجر ولم يفعل ما يفطر، ثم نوى في أثناء النهار الصوم وهو نافلة فنقول‏:‏ هذا جائز؛ لأنه وردت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك حين دخل على أهله فطلب منهم طعاماً، فقالوا‏:‏ ليس عندنا شيء‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏إني إذاً صائم‏)‏‏.‏

ولكن الوقت لا يكون إلا من وقت النية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏ فما قبل النية فلا يكتب له أجره، وما بعده يكتب له أجره، وإذا كان الأجر مرتباً على صوم اليوم، فإن هذا لم يصم اليوم كاملاً، بل بعض اليوم بالنية، وبناء على ذلك لو أن أحداً قام من بعد طلوع الفجر ولم يأكل شيئاً، وفي نصف النهار نوى الصوم على أنه من أيام الست، ثم صام بعد هذا اليوم خمسة أيام فيكون قد صام خمسة أيام ونصفاً، وإن كان نوى بعد مضي ربع النهار فيكون قد صام خمسة أيام وثلاثة أرباع؛ لأن الأعمال بالنيات، والحديث ‏(‏من صام رمضان ثم أتبعه ستة أيام من شوال‏)‏‏.‏ وحينئذ نقول لهذا الأخ‏:‏ لم تحصل على ثواب أجر صيام الأيام الستة، لأنك لم تصم ستة أيام، وهذا يقال في يوم عرفة، أما لو كان الصوم نفلاً مطلقاً، فإنه يصح ويثاب من وقت نيته فقط‏.‏

* * *

141 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ لو نوى الإنسان الصيام من صلاة الظهر وهو لم يأكل طوال النهار إلى الظهر فلما جاء الظهر نوى الصيام فهل يكتب له صيام يوم كامل أم من صلاة الظهر‏؟‏ وهل يشترط أن تكون النية قبل الزوال‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ إذا نوى الصيام أثناء النهار وهو نفل، ولم يأت قبله بما ينافي الصوم من أكل أو شرب أو غيرهما، فإن صومه يصح، سواء كان قبل الزوال أم بعد الزوال، ولكن هل يثاب من أول النهار أو يثاب من النية‏؟‏ الصحيح أنه يثاب من النية فقط، لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى‏)‏‏.‏ والفائدة أنه يُكتب له أجر الصيام منذ نوى إلى غروب الشمس‏.‏

* * *

241 سئل فضيلة الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ‏:‏ رجل نوى صيام اليوم الثلاثين من شعبان وقال‏:‏ إن كان غداً من رمضان فهو فرض، فهل يصح صيام هذا اليوم مع أن نيته معلقة‏؟‏

فأجاب فضيلته بقوله‏:‏ اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من أجازه، وقالوا‏:‏ إن تبين أن هذا اليوم من رمضان فصومه صحيح‏.‏ وقال آخرون‏:‏ صومه لا يصح؛ لأنه لم يجزم‏.‏

والظاهر أن القول بالجواز والصحة أقرب للصواب؛ لأن هذا هو غاية قدرته، وقد قال سبحانه‏:‏ ‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لأَِنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏}‏، وكثير من الناس ينامون في ليلة الثلاثين من شعبان على هذه النية‏.‏

* * *